ضريبة التصرفات العقارية في مصر: بين التشريع، التعديل، والتحايل
✍️ بقلم: أ. محمود الشافعي – المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة
تُعد ضريبة التصرفات العقارية إحدى الأدوات الأساسية التي تستخدمها الدولة لضبط السوق العقاري وتنظيم انتقال الملكيات. ورغم مرور سنوات على تطبيقها، لا يزال الجدل يتجدد حول نطاق سريانها، واستثناءاتها، وأهم من ذلك: محاولات الالتفاف عليها.
في هذا المقال، نسلط الضوء على الجانب القانوني والتشريعي لضريبة التصرفات العقارية، ونركز تحديدًا على “وعاء الضريبة” من حيث التصرفات الخاضعة وغير الخاضعة، مع عرض لأبرز صور التحايل التي يلجأ إليها البعض، وتحذير من عواقبها القانونية. أما بقية الأحكام والآثار الأخرى فسنُفرد لها مقالًا مستقلًا.
أولًا: تعريف ضريبة التصرفات العقارية
هي ضريبة تُفرض بنسبة 2.5% من إجمالي قيمة التصرف في العقارات، سواء كانت عقارات مبنية أو أراضٍ داخل كردون المدن، وسواء كانت مشهرة أو غير مشهرة، وشاملة أو جزئية.
وقد نصت المادة 42 من قانون الضريبة على الدخل رقم 91 لسنة 2005 (قبل التعديلات) على فرض هذه النسبة دون أي تخفيض، على التصرفات العقارية بكل صورها، باستثناء الحالات التالية:
-
تصرفات الورثة في العقارات الموروثة بحالتها عند الميراث.
-
تقديم العقار كحصة عينية في رأس مال شركات المساهمة، بشرط عدم التصرف في الأسهم المقابلة لها لمدة خمس سنوات.
-
البيوع الجبرية، سواء كانت إدارية أو قضائية.
-
نزع الملكية للمنفعة العامة أو للتحسين.
-
التصرف بالتبرع أو الهبة للحكومة، أو للوحدات المحلية، أو للأشخاص الاعتبارية العامة، أو للمشروعات ذات النفع العام.
-
التصرف بالهبة للأصول أو الفروع أو الأزواج.
ويلزم مكاتب الشهر العقاري بإخطار مصلحة الضرائب بهذه التصرفات خلال 30 يومًا من تاريخ التوثيق.
ثانيًا: تطورات وتعديلات المادة 42
1- التعديل الأول بموجب القانون رقم 11 لسنة 2013
صدر في 18 مايو 2013، وشمل عدة تغييرات جوهرية أهمها:
-
توسيع نطاق الضريبة لتشمل التصرفات سواء كانت مشهرة أو غير مشهرة.
-
استمرار استثناء العقارات في القرى.
-
استمرار استثناء تصرفات الورثة والحصص العينية في شركات المساهمة.
-
إدراج الوصية والتبرع والهبة لغير الأصول أو الفروع أو الأزواج ضمن التصرفات الخاضعة للضريبة.
وقد أكد التعديل أن إقامة المنشآت على أرض مملوكة للغير لا يُعفي من الضريبة، طالما أن هناك تصرفًا وقع.
2- التعديل الثاني بموجب القانون رقم 158 لسنة 2018
في 25 يوليو 2018، تم تعديل المادة مرة أخرى، وكان التغيير الأهم هو:
-
إلغاء استثناء تصرفات الورثة، لتصبح خاضعة للضريبة شأنها شأن باقي التصرفات.
-
استمرار استثناء القرى والحصص العينية بشركات المساهمة.
وبذلك أصبح كل من يتصرف في عقار آل إليه بالميراث، ملزمًا بسداد ضريبة التصرفات العقارية.
ثالثًا: أشهر صور التحايل القانوني وخطورتها
1- تحميل الضريبة للمشتري في العقد
يلجأ بعض البائعين إلى إدراج بند يُحمّل المشتري قيمة الضريبة. لكن هذا التصرف باطل قانونًا، حيث تنص المادة 42 بوضوح أن البائع هو الملزم قانونًا بسداد الضريبة.
وقد أصدرت مصلحة الضرائب منشورًا رسميًا بهذا المعنى، وأكدت محكمة النقض في حكمها الصادر في الطعن رقم 2404 لسنة 63 ق، جلسة 31/1/2001، أن:
“كل اتفاق يقضي بنقل عبء الضريبة إلى المتصرف إليه يُعد باطلًا، ويحق للأخير الرجوع على البائع بما سدده بدعوى الإثراء بلا سبب”.
2- تدوين قيمة صورية للعقار في عقد التوثيق
في محاولة للتهرب من الضريبة، يُكتب في العقد الرسمي قيمة منخفضة عن القيمة الحقيقية للبيع، ويُحتفظ بعقد غير موثق يحتوي على القيمة الحقيقية.
هذا الفعل يُعرّض الطرفين، خاصة البائع، لمخاطر قانونية جسيمة:
-
الشفعة: يستطيع الجار الملاصق أو من له حق الشفعة، التمسك بالعقد الظاهري وشراء العقار بثمن زهيد، يمثل جزءًا يسيرًا من الثمن الحقيقي، ما يُسبب خسارة فادحة للبائع.
-
الطعن بالتزوير أو الصورية: مما قد يؤدي إلى إبطال البيع أو ضياع الحقوق القانونية في المستقبل.
رابعًا: نصائح قانونية للبائعين
-
الالتزام بسداد الضريبة: على البائع أن يسدد الضريبة القانونية دون الالتفاف أو التحايل، فهي ضريبة مقطوعة على ربح تحقق نتيجة للبيع.
-
الابتعاد عن الصورية: يجب أن يكون العقد مكتوبًا بقيمته الحقيقية، وعدم استخدام عقدين (ظاهر ومستتر)، مهما كانت نية الطرفين.
ضريبة التصرفات العقارية في مصر تشكل التزامًا قانونيًا واضحًا ومباشرًا على البائع، وهي أداة تنظيمية مهمة لضبط التعاملات العقارية ومنع التهرب الضريبي. ومن ثم، فإن الالتزام بنص القانون وتجنب الحيل المخالفة هو السبيل الآمن لحماية الحقوق وتفادي الوقوع تحت طائلة القانون.